فصل: الحجابة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الحجابة:

قد قدمنا أن هذا اللقب كان مخصوصا في الدولة الأموية والعباسية بمن يحجب السلطان عن العامة ويغلق بابه دونهم أو يفتحه لهم على قدره في مواقيته وكانت هذه منزلة يوما عن الخطط مرؤوسة لها إذ الوزير متصرف فيها بما يراه وهكذا كانت سائر أيام بنى العباس لم إلى هذا المهد فهي بمصر مرؤوسة لصاحب الخطة العليا المسمى بالنائب وأما في الدولة الأموية بالأندلس فكانت الحجابة لمن يحجب السلطان عن الخاصة والعامة ويكون واسطة بينه وبين الوزراء فمن دونهم فكانت في دولتهم رفيعة غاية كما تراه في أخبارهم كابن حديد وغير من حجابهم ثم لما جاء الاستبداد على الدولة اختص المستبد باسم الحجابة لشرفها فكان المنصور بن أبي عامر وأبناوه كذلك ولما بدوا في مظاهر الملك وأطواره جاء من بعدهم من ملوك الطوائف فلم يتركوا لقبها وكانوا يعدونه شرفا لهم وكان أعظمهم ملكا بعد انتحال ألقاب الملك وأسمائه لا بد له من ذكر الحاجب وذي الوزارتين يعنون به السيف والقلم ويدلون بالحجابة على حجابة السلطان عن العامة والخاصة وبذي الوزارتين عن جمعه لخطتي السيف والقلم ثم لم يكن في دول المغرب وأفريقية ذكر لهذا الاسم للبداوة التي كانت فيهم وربما يوجد في دولة العبيديين بمصر عند استعظامها وحضارتها إلا أنه قليل ولما جاءت دولة الموحدين لم تستمكن فيها الحضارة الداعية إلى انتحال الألقاب وتمييز الخطط وتعيينها بالأسماء إلا آخرا فلم يكن عندهم من الرتب إلا الوزير فكانوا أولا يخصون بهذا الاسم الكاتب المتصرف المشارك للسلطان في خاص أمر كابن عطية وعبد السلام الكومي وكان له مع ذلك النظر في الحساب والأشغال المالية ثم صار بعد ذلك اسم الوزير لأهل نسب الدولة من الموحدين كابن جامع وغيره ولم يكن اسم الحاجب معروفا في دولتهم يومئذ وأما بنو أبي حفص بأفريقية فكانت الرئاسة في دولتهم أولا والتقدم لوزير والرأي والمشورة وكان يخص باسم شيخ الموحدين وكان له النظر في الولايات والعزل وقود العساكر والحروب واختص الحسبان والديوان برتبة أخرى ويسمى متوليها بصاحب الأشغال ينظر فيها النظر المطلق في الدخل والخرج ويحاسب ويستخلص الأموال ويعاقب على التفريط وكان من شرطه أن يكون من الموحدين واختص عندهم القلم أيضا بمن يجيد الترسيل ويؤتمن على الأسرار لأن الكتابة لم تكن من منتحل القوم ولا الترسيل بلسانهم فلم يشترط فيه النسب واحتاج السلطان لاتساع ملكه وكثرة المرتزقين بداره إلى قهرمان خاص بداره في أحواله يجريها على قدرها وترتيبها من رزق وعطاء وكسوة ونفقة في المطابخ والإصطبلات وغيرهما وحصر الذخيرة وتنفيذ ما يحتاج إليه في ذلك على أهل الجباية فخصوه باسم الحاجب وربما أضافوا إليه كتابة فعلامة على السجلات إذا اتفق أنه يحسن صناعة الكتابة وربما جعلوه لغيره واستمر الأمر على ذلك وحجب السلطان نفسه عن الناس فصار هذا الحاجب واسطة بين الناس وبين أهل الرتب كلهم ثم جمع له آخر الدولة السيف والحرب ثم الرأي والمشورة فصارت الخطة أرفع الرتب وأوعبها للخطط ثم جاء الاستبداد والحجر مدة من بعد السلطان الثاني عشر منهم ثم استبد بعد ذلك حفيده السلطان أبو العباس على نفسه وأذهب آثار الحجر والاستبداد بإذهاب خطة الحجابة التي كانت سلما إليه وباشر أموره كلها بنفسه من غير استعانة بأحد والأمر على ذلك لهذا العهد.
وأما دولة زناتة بالمغرب وأعظمها دولة بني مرين فلا أثر لاسم الحاجب عندهم وأما رئاسة الحرب والعساكر في للوزير ورتبة القلم في الحسبان والرسائل راجعة إلى من يحسنها من أهلها وإن اختصت ببعض البيوت المصطنعين في دولتهم وقد تجمع عندهم وقد تفرق وأما باب السلطان وحجبه عن المائة فهي رتبة عندهم فيسمى صاحبها عندهم بالمزوار ومعناه المقدم على الجنادرة المتصرفين بباب السلطان في تنفيذ أوامر وتصريف عقوباته وإنزال سطواته وحفظ المعتقلين في سجونه والعريف عليهم في ذلك فالباب له وأخذ الناس بالوقوف عند الحدود في دار العامة راجع إليه فكأنها وزارة صغرى وأما دولة بني عبد الواد فلا أثر عندهم لشيء من هذه الألقاب ولا تمييز الخطط لبداوة دولتهم وقصورها وإنما يخصون باسم الحاجب في بعض الأحوال منفذ الخاص بالسلطان في داره كما كان في دولة بني أبي حفص وقد يجمعون له الحسبان والسجل كما كان فيها حملهم على ذلك تقليد الدولة بما كانوا في تبعتها وقائمين بدعوتها منذ أول أمرهم.
وأما أهل الأندلس لهذا العهد فالمخصوص عندهم بالحسبان وتنفيذ حال السلطان وسائر الأمور المالية يسمونه بالوكيل وأما الوزير فكالوزير إلا أنه يجمع له الترسيل والسلطان عندهم يضع خطه على السجلات كلها فليس هناك خطة العلامة كما لغيرهم من الدول وأما دولة الترك بمصر فاسم الحاجب عندهم موضوع لحاكم من أهل الشوكة وهم الترك ينفذ الأحكام بين الناس في المدينة وهم متعددون وهذه الوظيفة عندهم تحت وظيفة النيابة التي لها الحكم في أهل الدولة وفي العامة على الإطلاق وللنائب التولية والعزل في بعض الوظائف على الأحيان ويقطع القليل من الأرزاق ويبتها وتنفذ أوامره كما تنفذ المراسم السلطانية وكان له النيابة المطلقة عن السلطان وللحجاب الحكم فقط في طبقات العامة والجند عند الترافع إليهم وإجبار من أبى الانقياد للحكم وطورهم تحت طور النيابة والوزير في دولة الترك هو صاحب جباية الأموال في الدولة على اختلاف أصنافها من خراج أو مكس أو جزية ثم في تصريفها في الإنفاقات السلطانية أو الجرايات المقدرة وله مع ذلك التولية والعزل في سائر العمال المباشرين لهذه الجباية والتنفيذ على اختلاف مراتبهم وتباين أصنافهم ومن عوائدهم أن يكون هذا الوزير من صنف القبط القائمين على ديوان الحسبان والجباية لاختصاصهم بذلك في مصر منذ عصور قديمة وقد يوليها السلطان بعض الأحيان لأهل الشوكة من رجالات الترك أو أبنائهم على حسب الداعية لذلك والله مدبر الأمور ومصرفها بحكمته لا إله إلا هو رب الأولين والآخرين.